سورة يس - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{يس} في المعنى والإِعراب، وقيل معناه يا إنسان بلغة طيء، على أن أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل: (من الله) في أيمن. وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين، أو الإِعراب على اتل يس أو بإضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث، أو إعراباً على هذه {يس} وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر وأدغم النون في واو.
{والقرءان الحكيم} ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش ويعقوب، وهي واو القسم أو العطف إن جعل {يس} مقسماً به.
{إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} لمن الذين أرسلوا.
{على صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو التوحيد والإِستقامة في الأمور، ويجوز أن يكون {على صراط} خبراً ثانياً أو حالاً من المستكن في الجار والمجرور، وفائدته وصف الشرع صريحاً بالاستقامة وإن دل عليه {لَمِنَ المرسلين} التزاماً.
{تَنزِيلَ العزيز الرحيم} خبر محذوف والمصدر بمعنى المفعول. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنصب بإضمار أعني أو فعله على أنه على أصله، وقرئ بالجر على البدل من القرآن.
{لِتُنذِرَ قَوْماً} متعلق ب {تَنزِيلَ} أو بمعنى {لَمِنَ المرسلين}. {مَّا أُنذِرَ ءَابَاؤُهُمْ} قوماً غير منذر آباؤهم يعني آباءَهم الأقربين لتطاول مدة الفترة، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله، أو الذي أنذر به أو شيئاً أنذر به آباؤهم الأبعدون، فيكون مفعولاً ثانياً {لّتُنذِرَ}، أو إنذار آبائَهم على المصدر. {فَهُمْ غافلون} متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين، أو بقوله: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} على الوجوه الأخرى أي أرسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافلون.
{لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ} يعني قوله تعالى: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لأنهم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون.
{إِنَّا جَعَلْنَا فِى أعناقهم أغلالا} تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر، بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم. {فَهِىَ إِلَى الأذقان} فالأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له. {فَهُم مُّقْمَحُونَ} رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له.
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} وبمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل. وقرأ حمزة والكسائي وحفص {سَدّا} بالفتح وهو لغة فيه، وقيل ما كان بفعل الناس فبالفتح وما كان بخلق الله فبالضم.
وقرئ: {فأعشيناهم} من العشاء. وقيل الآيتان في بني مخزوم حلف أبو جهل أن يرضخ رأس النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره.
{وَسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَءَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} سبق في سورة (البقرة) تفسيره.
{إِنَّمَا تُنذِرُ} إنذاراً يترتب عليه البغية المرومة. {مَنِ اتبع الذكر} أي القرآن بالتأمل فيه والعمل به. {وَخشِىَ الرحمن بالغيب} وخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة أهواله، أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن، منتقم قهار. {فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}.


{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى} الأموات بالبعث أو الجهال بالهداية. {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة. {وَءَاثَارَهُمْ} الحسنة كعلم علموه وحبيس وقفوه، والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم. {وَكُلَّ شئ أحصيناه فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني اللوح المحفوظ.
{واضرب لَهُم} ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد، وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما: {مَّثَلاً أصحاب القرية} على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلاً، ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر بدلاً من الملفوظ أو بياناً له، والقرية انطاكية. {إِذْ جَاءَهَا المرسلون} بدل من أصحاب القرية، و{المرسلون} رسل عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أهلها وإضافته إلى نفسه في قوله: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين} لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى ويونس، وقيل غيرهما. {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا} فقوينا، وقرأ أبو بكر مخففاً من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به. {بِثَالِثٍ} وهو شمعون. {فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} وذَلِكَ أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا حبيباً النجار يرعى غنماً فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية فقالا: نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر، فشفي على أيديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟
قالا: نعم من أوجدك وآلهتك، قال حتى أنظر في أمركما فحبسهما، ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكراً وعاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنس به، فقال له يوماً: سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه، قال فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال صفاه وأوجزا، قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، قال وما آيتكما، قالا: ما يتمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصره، وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما، فقال شمعون أرأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف، قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع، ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا الله فقام وقال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسناً يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام فهلكوا.
{قَالُواْ مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون، ورفع بشر لانتقاض النفي المقتضي إعمال ما بإلا. {وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَئ} وحي ورسالة. {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} في دعوى الرسالة.
{قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} استشهدوا بعلم الله وهو يجري مجرى القسم، وزادوا اللام المؤكدة لأنه جواب عن إنكارهم.
{وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين} الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته، وهو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة.
{قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم، وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه. {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عن مقالتكم هذه. {لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{قَالُواْ طائركم مَّعَكُمْ} سبب شؤمكم معكم وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم، وقرئ: {طيركم معكم}. {أَئِن ذُكّرْتُم} وعظتم، وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب، وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى أتطيرتم لأن ذكرتم وأن بغير الاستفهام و{أين ذكرتم} بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ. {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} قوم عادتكم الإِسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم، أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به.


{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وبينهما ستمائة سنة، وقيل كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه. {قَالَ يَا قَوْمِ اتبعوا المرسلين}.
{اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} على النصح وتبليغ الرسالة. {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} إلى خير الدارين.
{وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذى فَطَرَنِى} على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل، تلطف في الإِرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال: {أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّي شفاعتهم شَيْئاً} لا تنفعني شفاعتهم. {وَلاَ يُنقِذُونَ} بالنصرة والمظاهرة.
{إِنِّى إِذاً لَّفِى ضلال مُّبِينٍ} فإن إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضراً بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل، وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء.
{إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبّكُمْ} الذي خلقكم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء. {فاسمعون} فاسمعوا إيماني، وقيل الخطاب للرسل فإنه لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحوهم قبل أن يقتلوه.
{قِيلَ ادخل الجنة} قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة، أو إكراماً وإذناً في دخولها كسائر الشهداء، أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وإنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم، والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه في نصر دينه وكذلك: {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ}.
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين} فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القول، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإِيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على حق، وقرئ: {المكرمين} و{ما} خبرية أو مصدرية والباء صلة {يَعْلَمُونَ} أو استفهامية جاء على الأصل، والباء صلة غفر أي بأي شيء {غَفَرَ} لي، يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم.
{وَمَا أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ} من بعد هلاكه أو رفعه. {مِن جُندٍ مّنَ السماء} لإِهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، وفيه استحقار لإِهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول عليه السلام. {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} وما صح في حكمتنا أن ننزل جنداً لإِهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سبباً وجعلنا ذلك سبباً لانتصارك من قومك، وقيل: {مَا} موصولة معطوفة على {جُندٌ} أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة.
{إِن كَانَتْ} ما كانت الأخذة أو العقوبة. {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} صاح بها جبريل عليه السلام، وقرئت بالرفع على كان التامة. {فَإِذَا هُمْ خامدون} ميتون، شبهوا بالنار رمزاً إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد:
وَمَا المَرْءُ إِلاَّ كَالشّهَابِ وَضَوْئِه *** يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
{ياحسرة عَلَى العباد} تعالي فهذه من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها، وهي ما دل عليها: {مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئونَ} فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم، وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين، ويجوز أن يكون تحسراً من الله عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة {يا حسرتا} ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها، وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف، وقرئ: {يا حسرة العباد} بالإِضافة إلى الفاعل أو المفعول، و{يا حسرة} بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف.

1 | 2 | 3